أخبار محلية ودولية

لماذا ترامب ضعيف سياسيًا؟

تسير سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مزيد من الجدل الذي يضع تساؤلات عدة حول كفاءتها، سواء على الصعيد الداخلي أو في السياسة الخارجية. وتُتهم إدارته باتخاذ قرارات متسرعة دون دراسة كافية لتبعاتها، وأحدثها تعليقه على رفض مصر والأردن تهجير الفلسطينيين من غزة، حين أكد أن الدولتين “عليهما فعل ذلك” بحجة الدعم الأمريكي المقدم لهما، في تجاهل واضح لاعتبارات السيادة والمواقف التاريخية لكلا البلدين، اللذين انضما إلى سلسلة أخرى من الدول التي لم ينفك ترامب أن يلوّح بالقوة في مواجهة ممانعتها أو رفضها سياساته الماسة بسيادة الدول، مستخدمًا الاقتصاد كورقة ضغط على حلفاء الولايات المتحدة.

يستعرض الكاتب الأمريكي من أصول كندية ديفيد بروكس في صحيفة “نيويورك تايمز” طبيعة النهج الذي تتبعه إدارة ترامب، والذي يصفه بأنه “غباء سياسي”. إذ يرى أن هذه الإدارة تتسم باتخاذ قرارات دون إدراك للعواقب، ما يؤدي إلى نتائج كارثية غالبًا ما تدفع ترامب إلى التراجع عنها.

ولشرح ما أصبحت عليه الإدارة الأمريكية، يقول بروكس إنه لا يشكك في ذكاء أفراد إدارة ترامب، بل يعتقد أن الذكاء لا يحول دون اتخاذ قرارات “غبية”. ويستند إلى المؤرخ الإيطالي كارلو سيبولا، حين قال إن الغباء لا يعتمد على مستوى الذكاء بل يظهر في التصرفات التي تؤدي إلى نتائج كارثية دون إدراك للعواقب.

يرى بروكس أن الإدارة الأمريكية ارتكبت مجموعة من الأخطاء التي تدلل على هذا الغباء خلال أسبوع واحد، وكان من بينها تهديدها بفرض رسوم جمركية جديدة على كندا والمكسيك، الأمر الذي كان من شأنه زيادة التضخم داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى محاولة إجراء تطهير واسع في القطاع الحكومي دون دراسة آثار ذلك على كفاءة العمل الحكومي.

ويركز بروكس على قرار تجميد الإنفاق الفيدرالي على بعض برامج الدعم، وهو ما كان يهدف إلى إيقاف تمويل برامج تتعلق بالتنوع والمساواة التي يرفضها ترامب. لكنه يرى أن الإدارة لم تتبع إجراءات واضحة لهذا التخفيض، بل فرضت تجميدًا عامًا شمل أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، مما أدى إلى حالة من الفوضى، حيث بات مرضى تجارب السرطان في المعاهد الوطنية للصحة غير متأكدين من استمرار علاجهم، ومديرو برامج التعليم لا يعلمون إن كان بإمكانهم الحصول على التمويل الفيدرالي، فضلًا عن عدم وضوح مصير ميزانيات الشرطة والمدارس والبنية التحتية.

ويشبه بروكس هذا القرار بمحاولة “علاج حب الشباب بقطع الرأس”، إذ لم تسأل الإدارة نفسها عن العواقب المتوقعة لهذه الخطوة. وعندما بدأت العواقب السلبية تتضح، اضطر ترامب إلى التراجع عنها.

دونالد ترامب

ويقول بروكس إن هذه ستكون سمة متكررة في سياسات الإدارة: اتخاذ قرارات غير مدروسة، ثم التراجع عنها عندما تتسبب ذلك في تراجع شعبية الرئيس.

يحدد بروكس ستة مبادئ لفهم ما يسميه “الغباء السياسي” البادي على إدارة ترامب. وأولها، أن الغباء يؤدي إلى ارتباك أكثر مما يسبب خلافًا أيديولوجيًا، مستشهدًا بحالة الفوضى التي تسببت فيها قرارات التجميد الحكومي. وثانيها، أن الغباء غالبًا ما يكون متجذرًا في المؤسسات وليس في الأفراد، موضحًا أن وجود سلطة مركزية مطلقة دون نقاش حقيقي يؤدي إلى قرارات خاطئة. وثالثها، أن الأشخاص الذين يتصرفون بغباء قد يكونون أكثر خطورة من الأشرار، لأن الأشرار لديهم على الأقل إدراك لمصلحتهم الذاتية، بينما يتجاهل الحمقى العواقب تمامًا.

ورابعًا، يشير بروكس إلى أن من يتخذون قرارات غبية غالبًا لا يدركون مدى غبائهم، مستشهدًا بتأثير دانينج-كروجر، الذي يفترض أن الأشخاص غير الأكفاء يفتقرون إلى القدرة على إدراك عدم كفاءتهم. ويقول إن ترامب لا يدرك مدى غبائه حين يعمل على استبدال الخبراء والمسؤولين الحكوميين الأكفاء بأنصار موالين يفتقرون إلى الخبرة، مما قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة.

وخامسًا، يشير كاتب “نيويورك تايمز” إلى صعوبة مواجهة الغباء، لأن القرارات غير العقلانية تثير الدهشة وتجعل من الصعب التنبؤ بها أو مناقشتها بعقلانية، مستشهدًا بقول اللاهوتي الألماني ديترش بونهوفر: “أمام الغباء نحن عاجزون”. وسادسًا، يرى بروكس أن نقيض الغباء ليس الذكاء، بل العقلانية، مشيرًا إلى أن الشعبويين يميلون إلى تجاهل الخبرة والمنطق لصالح العاطفة والانحيازات الشخصية.

ويختتم بروكس مقاله بالاعتراف بتعاطفه مع أهداف التيار الشعبوي الذي أوصل ترامب إلى السلطة، لكنه يرى أن هذا التيار، بعد أن حُرم طويلًا من المشاركة السياسية، بدأ في إلحاق الضرر بنفسه وبالآخرين عبر سياسات غير محسوبة، وهو ما يصفه ببساطة بـ”الغباء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى